فصل: (في دفع الصدقة إلى الساعي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فِي زَكَاةِ فَائِدَةِ الْمَاشِيَةِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ: إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ وَرِثَهَا بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى مَنْ وَرِثَهَا شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ مَنْ وَرِثَهَا مِنْ ذِي قَبْلُ، فَإِذَا مَرَّ بِهَا السَّاعِي وَهِيَ عِنْدَ مَنْ وَرِثَهَا لَمْ يُفَرِّقُوهَا أَخَذَ مِنْهَا الصَّدَقَةَ عَنْهُمْ وَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْخُلَطَاءِ يَتَرَادُّونَ فِيهَا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ غَيْرَ وَاحِدٍ، فَمَنْ كَانَ شَاؤُهُ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَهُوَ خَلِيطٌ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَلِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ غَنَمًا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ شَاؤُهُ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَلَيْسَ هُوَ بِخَلِيطٍ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانُوا فَرَّقُوهَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَدَقَتَهُ عَلَى حِسَابِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا إذَا كَانَ فِي مَاشِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ وَرِثَ غَنَمًا فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَجَاءَهُ الْمُصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَنْ يَوْمِ وَرِثَهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ السَّاعِي مِنْ عَامٍ قَابِلٍ فَيُصَدِّقَهُ مَعَ مَا يُصَدِّقُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا مَرَّ السَّاعِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ السَّنَةَ فَاسْتَكْمَلَ السَّنَةَ بَعْدَمَا مَرَّ بِهِ السَّاعِي أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْدُقَهَا؟
فَقَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْدُقَهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ السَّاعِي مِنْ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ.
قُلْتُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ مِنْ غَنَمٍ فَأَفَادَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ إبِلًا، يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ أَوْ لَا يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْغَنَمَ وَحْدَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ الْإِبِلَ إلَى الْغَنَمِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِمَّا تَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ زَكَّاهَا إذَا مَضَى لَهَا سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْإِبِلَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا تُضَافُ الْغَنَمُ إلَى الْغَنَمِ وَالْبَقَرُ إلَى الْبَقَرِ وَالْإِبِلُ إلَى الْإِبِلِ، إذَا كَانَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ رَبِّهَا - قَبْلَ أَنْ يُفِيدَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ - نِصَابَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يُضِيفُ مَا أَفَادَ مِنْ صِنْفِهَا إلَيْهَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا فَيُزَكِّي جَمِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْفَائِدَةَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ إلَّا بِيَوْمٍ زَكَّاهُ مَعَ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ لَهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً وَلَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ، أَفَادَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمُصَدِّقُ: أَنَّهُ يُزَكِّي مَا أَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ مَعَ مَاشِيَتِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمُصَدِّقُ، فَإِنْ أَتَاهُ الْمُصَدِّقُ وَمَاشِيَتُهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ فَنَزَلَ بِهِ السَّاعِي فَهَلَكَتْ مِنْهَا شَاةٌ قَبْلَ أَنْ يَسْعَى عَلَيْهِ وَبَعْدَمَا نَزَلَ بِهِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَلَى مَا بَقِيَ وَلَا يُزَكِّي عَلَى مَا مَاتَ مِنْهَا.
قُلْتُ: فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ شَاةً فَوَرِثَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ السَّاعِي بِيَوْمٍ عَشْرَةً مِنْ الْغَنَمِ؟
فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْعَشَرَةَ.
قُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ لِي: لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ لَمْ تَكُنْ نِصَابًا، وَلِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَمْ تَكُنْ وِلَادَةَ الْغَنَمِ، وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ هَهُنَا غَنَمٌ غَيْرُ هَذِهِ وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ مَا وَلَدَتْ الْغَنَمُ لِأَنَّ كُلَّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ رَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، ثُمَّ أَفَادَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ مَا إنْ ضَمِنَهُ إلَيْهَا كَانَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ؟
فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَلِأَنَّهَا لَمَّا رَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَلَكَ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ شَيْءٌ وَلَكِنَّهَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَزَكَّاهَا، ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُهَا فَرَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ثُمَّ أَفَادَ قَبْلَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهَا مَا إنْ جَمَعَهَا إلَيْهَا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، أَيَضْمَنُهَا إلَيْهَا وَيُزَكِّي جَمِيعَهَا أَمْ لَا؟
فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إذَا انْتَقَصَتْ الْأُولَى مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بَعْدَمَا زَكَّاهَا أَوْ قَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَهَا، وَلَكِنَّهُ يَضُمُّ الْأُولَى إلَى الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِهِمَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ، فَإِنْ جَاءَ الْحَوْلُ وَفِيهِمَا مَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ زَكَّاهُمَا، وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ وَفِيهِمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ فَائِدَةً أُخْرَى، ضَمّ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا إلَى الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ وَاسْتَقْبَلَ بِهَذَا الْمَالِ كُلَّهُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ وَالِدَهُ فَقَضَى لَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَ بِمِائَةٍ مَنْ الْإِبِلِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ، أَيُزَكِّيهَا سَاعَةَ قَبْضِهَا أَمْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا؟
فَقَالَ: بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ عَلَى إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا خَمْسِينَ مَنْ الْإِبِلِ فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ قَبَضَتْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ؟
فَقَالَ: عَلَيْهَا أَنْ تُزَكِّيَهَا وَلَيْسَتْ الَّتِي بِأَعْيَانِهَا كَالَّتِي بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا، لِأَنَّ الَّتِي بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا إنَّمَا ضَمَانُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَهَذِهِ الَّتِي بِأَعْيَانِهَا قَدْ مَلَكَتْهَا بِأَعْيَانِهَا يَوْمَ عَقَدُوا النِّكَاحَ وَضَمَانُهَا مِنْهَا وَهَذَا رَأْيِي.
قَالَ: وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِعَبْدَيْنِ تَعْرِفُهُمَا عِنْدَهُ فَوَجَبَ النِّكَاحُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّأْسَانِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُمَا مِمَّنْ هَلَاكُهُمَا أَمِنَ الزَّوْجِ أَمْ مِنْ الْمَرْأَةِ؟
فَقَالَ: بَلْ مِنْ الْمَرْأَةِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا أَوْ عَلَى غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا أَوْ عَلَى نَخْلٍ بِأَعْيَانِهَا فَأَثْمَرَتْ النَّخْلُ عِنْدَ الزَّوْجِ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَاشِيَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ الْحَوْلِ؟
فَقَالَ: عَلَيْهَا زَكَاتُهَا حِينَ تَقْبِضُ وَلَا تُؤَخِّرُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تَقْبِضُ، وَلَيْسَ الْإِبِلُ وَمَا ذَكَرْتُ إذَا كَانَتْ بِأَعْيَانِهَا مِثْلَ الدَّنَانِيرِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ وَمَا ذَكَرْتُ إذَا كَانَتْ بِأَعْيَانِهَا فَتَلَفُهَا مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ هِيَ تَلِفَتْ.
قُلْتُ: أَفَتَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهَا زَكَاتَهَا إذَا هِيَ قَبَضَتْهَا، وَلَا يَأْمُرُهَا أَنْ تَنْتَظِرَ بِهَا حَوْلًا مِثْلَ مَا أَمَرَ فِي الدَّنَانِيرِ؟
فَقَالَ: لَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إذَا وَرِثَ الرَّجُلُ غَنَمًا زَكَّاهَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لِي قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَرِثُونَ الْغَنَمَ وَقَدْ أَقَامَتْ عِنْدَ أَبِيهِمْ حَوْلًا: إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى أَبِيهِمْ فِيهَا وَإِنَّهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَمُرَّ بِهَا حَوْلٌ، فَإِذَا مَرَّ بِهَا حَوْلٌ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْخُلَطَاءِ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضُوا أَوْ لَمْ يَقْبِضُوا.
وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الدَّنَانِيرِ، إذَا هَلَكَ رَجُلٌ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَبَاعَ تَرِكَتَهُ وَجَمَعَ مَالَهُ، فَكَانَ عِنْدَ الْوَصِيِّ مَا شَاءَ اللَّهُ: إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا اجْتَمَعَ عِنْدَ الْوَصِيِّ وَلَا فِيمَا بَاعَ لَهُمْ وَلَا فِيمَا نَضَّ فِي يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتَسِمُوا وَيَقْبِضُوا.
ثُمَّ يَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَمَا قَبَضُوا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا كَانُوا كِبَارًا.
فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا كَانَ الْوَصِيُّ قَابِضًا لَهُمْ وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ نَضَّ ذَلِكَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا وَصِغَارًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الصِّغَارِ زَكَاةٌ أَيْضًا فِيمَا نَضَّ فِي يَدِ الْوَصِيِّ حَتَّى يُقَاسِمَ لَهُمْ الْكِبَارُ، فَإِذَا قَاسَمَ لَهُمْ الْكِبَارُ كَانَ الْوَصِيُّ لَهُمْ قَابِضًا لِحِصَّتِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُ بِحِصَّتِهِمْ حَوْلًا مِنْ يَوْمُ قَاسَمَ الْكِبَارُ، وَيَسْتَقْبِلُ الْكِبَارُ أَيْضًا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضُوا؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْكِبَارِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْتَسِمُوا وَيَقْبِضُوا، فَإِذَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ كَانَ ذَلِكَ مَالًا وَاحِدًا أَبَدًا حَتَّى يَقْتَسِمُوا، لِأَنَّهُ مَا تَلِفَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِهِمْ فَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْوَصِيِّ قَبْضًا لِلصِّغَارِ إلَّا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ، فَعَلَى هَذَا فَقِسْ كُلَّ فَائِدَةٍ يُفِيدُهَا صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَرِثَ مِائَةَ دِينَارٍ غَائِبَةً عَنْهُ فَحَال عَلَيْهَا أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَهِيَ عِنْدَ الْوَصِيِّ.
ثُمَّ قَبَضَهَا، أَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى؟
فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ بِقَبْضِهَا أَحَدًا فَإِنْ كَانَ وَكَّلَ بِقَبْضِهَا أَحَدًا فَزَكَاتُهَا تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِ الْوَكِيلِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ مَاشِيَةً تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ، أَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْغَنَمِ وَالدَّنَانِيرِ؟
فَقَالَ: لَا تُشْبِهُ الْغَنَمُ الدَّنَانِيرَ، لِأَنَّ الْغَنَمَ لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ دِينٌ يَغْتَرِقُهَا زَكَّى الْغَنَمَ، وَالدَّنَانِيرُ إذْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ دِينٌ يَغْتَرِقُهَا وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا كَانَ دِينُهُ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَاَلَّذِي وَرِثَ الدَّنَانِيرَ لَا تَصِيرُ الدَّنَانِيرُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَقْبِضَهَا، فَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا وَرِثَ مِنْ الدَّنَانِيرِ زَكَاةٌ إذَا صَارَتْ الدَّنَانِيرُ فِي ضَمَانِهِ وَيَحُولُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلٌ، فَأَمَّا مَا لَمْ تَصِرْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَيْضًا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ وَرِثَ مَالًا نَاضًّا غَائِبًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي أَنْ يُزَكِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، خَوْفًا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ الَّذِي وَرِثَهُ مِدْيَانًا أَوْ يُرْهِقُهُ دِينٌ قَبْلَ مَحِلِّ السَّنَةِ، وَالْغَنَمُ لَوْ وَرِثَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُ أَوْ حَاضِرَةٌ ثُمَّ لَحِقَهُ دِينٌ لَمْ يَضَعْ الدِّينَ عَنْهُ مَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ الزَّكَاةِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ أَيْضًا وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ: إنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْمُفْتَرِقَةِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ تُضَافَ إلَى إبِلٍ فِيهَا الصَّدَقَةُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: أَمَّا زَكَاةُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَإِنَّمَا تُصَدَّقُ جَمِيعًا فِي زَمَانٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بَعْضَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ.

.(يمَوتَ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَاشِيَتِهِ):

مَاتَ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ الْمُصَدِّقُ وَأَوْصَى بِزَكَاتِهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْتِهِ الْمُصَدِّقُ، فَهَلَكَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُخْرَجَ صَدَقَةَ الْمَاشِيَةِ فَجَاءَهُ السَّاعِي، أَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ؟
فَقَالَ: لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْوَرَثَةِ الصَّدَقَةَ، وَلَكِنْ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُفَرِّقُوهَا فِي الْمَسَاكِينِ وَفِيمَنْ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ.
قُلْتُ: لَمْ لَا يَكُونُ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْوَرَثَةِ الصَّدَقَةَ وَقَدْ أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ؟
فَقَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ وَقَدْ هَلَكَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُصَدِّقِ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَوْلُ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ رَبُّهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَتْ مِثْلَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَلَمَّا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ تَخْرُجَ صَدَقَتُهَا، فَإِنَّمَا وَقَعَتْ وَصِيَّتُهُ لِلَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَلَيْسَ لِهَذَا الْعَامِلِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ.
قُلْتُ: أَكَانَ مَالِكٌ يَجْعَلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فِي الثُّلُثِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَابْتَدَأَ وَصِيَّتَهُ هَذِهِ فِي الْمَاشِيَةِ عَلَى الْوَصَايَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا بِإِتْيَانِ السَّاعِي، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَرِثَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْوَارِثَ كُلٌّ مُفِيدٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي فَائِدَةٍ إلَّا أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، تُضَافُ الْغَنَمُ إلَى الْغَنَمِ وَالْبَقَرُ إلَى الْبَقَرِ وَالْإِبِلُ إلَى الْإِبِلِ، وَلَا تُضَافُ الْإِبِلُ إلَى الْبَقَرِ وَلَا إلَى الْغَنَمِ وَلَا تُضَافُ الْغَنَمُ إلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَلَا تُضَافُ الْبَقَرُ إلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ السَّاعِي وَأَوْصَى بِهَا فَلَيْسَتْ بِمُبَدَّأَةٍ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُبَدَّأَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ، مِثْلُ الدَّنَانِيرِ يَمُوتُ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَرَّطَ فِيهَا، فَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ الْمَيِّتِ زَكَاةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِذَلِكَ أَوْ يُوصِيَ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي زَكَاةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ الْمَيِّتُ كَانَ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ مُبَدَّأً عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا وَغَيْرِهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلُ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ عَلَيْهِ زَكَاةً وَعِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ، وَقَدْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ يُؤَدَّى جَمِيعُ ذَلِكَ بِأَيِّهِمْ يَبْدَأُ إذَا لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: يَبْدَأُ بِالزَّكَاةِ ثُمَّ بِالْعِتْقِ الْوَاجِبِ مِنْ الظِّهَارِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَلَا يَبْدَأُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيُبْدِيَانِ جَمِيعًا عَلَى الْعِتْقِ وَالتَّطَوُّعِ، وَالْعِتْقُ التَّطَوُّعُ بِعَيْنِهِ يَبْدَأُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا.

.الدَّعْوَى فِي الْفَائِدَةِ:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ وَفِي مَاشِيَتِهِ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ، فَيَقُولُ إنَّمَا أَفَدْتهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَصَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا.

.(في دفع الصدقة إلى الساعي):

قُلْتُ: أَرَأَيْت مُصَدِّقًا يَعْدِلُ عَلَى النَّاسِ فَأَتَى الْمُصَدِّقُ إلَى رَجُلٍ لَهُ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهَا الزَّكَاةُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ قَدْ أَدَّيْت صَدَقَتَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ؟
فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ هَذَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ عَدْلٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ صَدَقَتَهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ الْوَالِي مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَاشِيَةِ الرَّجُلِ عِنْدَهُ، أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهَا أَوْ يَنْتَظِرَ السَّاعِي حَتَّى يَأْتِيَ؟
فَقَالَ: إنْ خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلْيَضَعْهَا مَوْضِعَهَا إذَا كَانَ الْوَالِي مِمَّنْ لَا يَعْدِلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَأْتِيَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْدِلُ وَخَافَ أَنْ يَأْتُوهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخْفِيَهَا عَنْهُمْ فَلْيُؤَخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا خَفِيَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ أَمْرُ مَاشِيَتِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ السُّعَاةِ مِمَّنْ لَا يَعْدِلُ فَلْيَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ أَجْزَأَهُ.
قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ يَهْرَبَ بِهَا عَنْهُمْ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ هُرْمُزَ كَانَ إذَا جَاءَتْ غَنَمُ الصَّدَقَةِ الْمَدِينَةَ امْتَنَعَ مِنْ شِرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ السُّوقِ تِلْكَ الْأَيَّامَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالُوا كُلُّهُمْ: يُجْزِي مَا أَخَذُوا وَإِنْ فَعَلُوا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَحْتَسِبُ بِمَا أَخَذَ الْعَاشِرُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ: مَا أَعْطَيْتَ فِي الطُّرُقِ وَالْجُسُورِ فَهُوَ صَدَقَةٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ إذَا أَدَّيْتَهَا إلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا وَلَكَ أَجْرُهَا وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} مَا تَرَكْتُهَا عَلَيْكُمْ جِزْيَةً تُؤْخَذُونَ بِهَا مِنْ بَعْدِي وَلَكِنْ أَدُّوهَا إلَيْهِمْ فَلَكُمْ بِرُّهَا وَعَلَيْهِمْ إثْمُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا قَتَادَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ وَمُجَاهِدًا وَعَطَاءً وَالْقَاسِمَ وَسَالِمًا وَابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةَ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَكْحُولًا وَالْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ، كُلُّهُمْ يَأْمُرُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى السُّلْطَانِ وَيَدْفَعُونَهَا إلَيْهِمْ.

.فِي زَكَاةِ مَاشِيَةِ الْخُلَطَاءِ:

قُلْتُ: مَا الَّذِي يَكُونُ النَّاسُ بِهِ فِي الْمَاشِيَةِ خُلَطَاءَ؟
فَقَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ تَكُونُ لَهُمْ أَغْنَامٌ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ انْقَلَبَتْ إلَى دُورِ أَصْحَابِهَا وَالدُّورُ مُفْتَرِقَةٌ تَبِيتُ عِنْدَهُمْ يَحْتَلِبُونَهَا وَيَحْفَظُونَهَا، فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ غَدَا بِهَا رِعَاؤُهَا أَوْ رَاعٍ وَاحِدٌ يَجْمَعُونَهَا مِنْ بُيُوتِ أَهْلِهَا.
فَانْطَلَقُوا بِهَا إلَى مَرَاعِيهَا فَرَعَوْهَا بِالنَّهَارِ وَسَقَوْهَا، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ رَاحَتْ إلَى أَرْبَابِهَا عَلَى حَالٍ مِمَّا وَصَفْتُ لَكَ أَفَتَرَى هَؤُلَاءِ خُلَطَاءَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ وَإِنْ افْتَرَقُوا فِي الْمَبِيتِ وَالْحِلَابِ إذَا كَانَ الدَّلْوُ وَالْمُرَاحُ وَالرَّاعِي وَاحِدًا، وَإِنْ افْتَرَقُوا فِي الدُّورِ فَأَرَاهُمْ خُلَطَاءَ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ فَرَّقَهَا الدَّلْوُ فَكَانَ هَؤُلَاءِ يَسْقُونَ عَلَى مَاءٍ يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَصْحَابَهُمْ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى مَاءٍ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْهُ؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إذَا كَانَ الدَّلْوُ وَالْمُرَاحُ وَالرَّاعِي وَاحِدًا، وَإِنْ تَفَرَّقُوا فِي الْمَبِيتِ وَالْحَلَّابِ فَهُمْ خُلَطَاءُ.
قَالَ: وَالرَّاعِي عِنْدِي وَإِنْ كَانُوا رُعَاةً كَثِيرِينَ يَتَعَاوَنُونَ فِيهَا فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاعِي الْوَاحِدِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ افْتِرَاقِ الدَّلْوِ إذَا كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فَذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمُرَاحِ، مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ لِي: هِيَ مُجْتَمِعَةٌ وَإِنْ فَرَّقَهَا الدَّلْوُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ رَاعِي هَؤُلَاءِ أُجْرَةً عَلَيْهِمْ خَاصَّةً، وَرَاعِي هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ أُجْرَةً عَلَيْهِمْ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ الْمَسْرَحَ يَجْمَعُهُمْ فَيَخْلِطُونَ الْغَنَمَ وَيَجْتَمِعُونَ فِي حِفْظِهَا؟
فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاعِي الْوَاحِدِ إنْ كَانَ أَرْبَابُهَا جَمَعُوهَا أَوْ أَمَرُوهُمْ بِجَمْعِهَا فَجَمَعُوهَا حَتَّى كَانَ الْمُرَاحُ وَالدَّلْوُ وَالْمَسْرَحُ وَاحِدًا فَهُمْ خُلَطَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَطُوا فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَافْتَرَقُوا فِي وَسَطِهَا وَاخْتَلَطُوا فِي آخِرِ السَّنَةِ؟
فَقَالَ: إذَا اجْتَمَعُوا قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ بِشَهْرَيْنِ فَهُمْ خُلَطَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى أَوَّلِهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ جَمَعَهَا الدَّلْوُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَفَرَّقَهَا فِي وَسَطِ السَّنَةِ وَجَمَعَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ؟
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ وَافْتِرَاقِهِمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى أَوَّلِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اجْتَمَعَتْ فِي آخِرِ السَّنَةِ لِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ لِأَنِّي سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ شَهْرَيْنِ وَنَحْوَهُمَا؟
فَقَالَ: إنَّمَا سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الشَّهْرَيْنِ؟
فَقَالَ: أَرَاهُمْ خُلَطَاءَ، وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُمْ خُلَطَاءَ فِي أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرَيْنِ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ الْحَوْلُ وَيَهْرُبَا فِيهِ إلَى أَنْ يَكُونَا خَلِيطِينَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَمَا نَرَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِثْلِهِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قُلْتُ: وَالْفَحْلُ إنْ فَرَّقَهَا فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَجَمَعَهَا فِي آخِرِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ الدَّلْوُ وَالْمُرَاحُ وَاحِدًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ جَمَعَ هَذِهِ الْغَنَمَ الدَّلْوُ وَالْفَحْلُ وَالرَّاعِي وَفَرَّقَهَا الْمَبِيتُ هَذِهِ فِي قَرْيَةٍ وَهَذِهِ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، أَتَرَاهُمْ خُلَطَاءَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ لِي فِيهَا مَالِكٌ.
قُلْتُ: وَتَرَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَإِنْ فَرَّقَتْهَا هَذِهِ الْقُرَى فِي مُرَاحٍ وَاحِدٍ؟
فَقَالَ: نَعَمْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَاحِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ: وَإِنْ فَرَّقَهَا الْمَبِيتُ فَهُمْ خُلَطَاءُ.
قُلْتُ: فَأَرَى مَالِكًا قَدْ ضَعَّفَ الْمَبِيتَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ جَمَعَهَا الْمُرَاحُ وَالرَّاعِي وَالْمَبِيتُ، وَالْفَحْلُ وَفَرَّقَهَا الدَّلْوُ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَيْفَ يُفَرِّقُهَا الدَّلْوُ؟
قُلْت: يَكُونُ جَمِيعُهَا فِي مُرَاحِهَا وَرَاعِيهَا وَفَحْلِهَا وَاحِدًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ سَقْيِهَا أَخَذَ هَؤُلَاءِ مَاشِيَتَهُمْ فَسَقَوْهَا عَلَى مَائِهِمْ، وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ مَاشِيَتَهُمْ فَسَقَوْهَا عَلَى مَائِهِمْ ثُمَّ جَمَعُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانُوا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا خُلَطَاءَ لَا تَفْتَرِقُ الْغَنَمُ إلَّا فِي يَوْمِ وُرُودِهَا، فَقَالَ: أَرَاهُمْ عَلَى مَا قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْمُرَاحِ أَنَّهُمْ خُلَطَاءُ، وَهَذَا أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ تَفْرِقَةِ الْمَبِيتِ فَأَرَاهُمْ خُلَطَاءَ.
قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُهُمْ فِي الدَّلْوِ وَالْفَحْلِ وَالْمُرَاحِ وَالرَّاعِي؟ فَقَالَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا يَظُنُّ لِيَعْرِفَ بِهِ أَنَّهُمْ خُلَطَاءُ وَأَنَّهُمْ مُتَعَاوِنُونَ وَأَنَّ أَمْرَهُمْ وَاحِدٌ وَلَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ إذَا انْخَرَمَ مِنْهُ شَيْءٌ أَنْ لَا يَكُونُوا خُلَطَاءَ.
قُلْتُ: أَفَتَحْفَظُ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْخَلِيطَانِ فِي الْبَقَرِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ، فِي الْغَنَمِ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْخَلِيطَيْنِ يَتَخَالَطَانِ بِغَنَمِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَيَكُونَانِ خَلِيطِينَ أَمْ لَا يَكُونَانِ خَلِيطِينَ إلَّا أَنْ يَتَخَالَطَا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ هُمَا خَلِيطَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَالَطَا إلَّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمَا السَّاعِي بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَخَالَطُ النَّاسُ قَبْلَ مَحِلِّ السَّنَةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَإِذَا خَلَطُوا رَأَيْتُهُمْ خُلَطَاءَ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْمُصَدِّقُ الزَّكَاةَ زَكَاةَ الْخُلَطَاءِ إذَا أَتَاهُمْ وَهُمْ خُلَطَاءُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ يَوْمِ خَلَطُوا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْخَلِيطَيْنِ إذَا بَلَغَتْ إبِلُهُمَا عِشْرِينَ وَمِائَةً، أَيَأْخُذُ مِنْهَا الْمُصَدِّقُ حِقَّتَيْنِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةٌ مَنْ الْإِبِلِ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمِائَةً مَنْ الْإِبِلِ كَيْفَ يَتَرَادَّانِ؟
قَالَ: يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْحِقَّتَيْنِ كَمْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُمَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نُظِرَ إلَى الْخُمُسِ الَّتِي لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ مَا هِيَ مِنْ الْجَمِيعِ، فَوَجَدْنَاهَا رُبْعَ السُّدُسِ وَهُوَ نِصْفُ جُزْءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا فَتُقَسَّمُ قِيمَةُ الْحِقَّتَيْنِ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، فَمَا أَصَابَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْحِقَّتَيْنِ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ، وَمَا أَصَابَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْحِقَّتَيْنِ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ عَشَرَ وَمِائَةٍ، فَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَتَرَادُّ الْخَلِيطَانِ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلِخَلِيطِهِ خَمْسٌ كَانَتْ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ التِّسْعِ شَاةٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ أَمَرْتُهُمَا يَتَرَادَّانِ لَغَرِمَ صَاحِبُ الْخَمْسَةِ أَقَلَّ مِنْ شَاةٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَاهُمَا خَلِيطَيْنِ يَتَرَادَّانِ وَإِنْ صَارَ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ أَقَلَّ مِنْ شَاةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ إذَا كَانَ فِي مَاشِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَاشِيَةِ أَحَدِهِمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَاشِيَةِ الْآخَرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَيْسَا بِخَلِيطَيْنِ إنَّمَا يَنْظُرُ الْمُصَدِّقُ إلَى الَّذِي فِي مَاشِيَتِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ وَيَتْرُكُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَحْسُبُ الْمُصَدِّقُ مَاشِيَةَ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمَا.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ غَنَمُهُمَا كُلُّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَتَعَدَّى الْمُصَدِّقُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً وَفِي جَمِيعِهَا إذَا اجْتَمَعَتْ مَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، أَتَرَاهَا عَلَى الَّذِي أُخِذَتْ مِنْ غَنَمِهِ خَاصَّةً أَوْ عَلَى عَدَدِ الْغَنَمِ؟
قَالَ: بَلْ أَرَاهَا عَلَى عَدَدِ الْغَنَمِ يَتَرَادَّانِ فِيهَا عَلَى عَدَدِ غَنَمِهِمَا.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً: لِوَاحِدٍ أَرْبَعُونَ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ وَلِلْآخَرِ وَاحِدَةٌ فَأَخَذَ السَّاعِي مِنْهُمْ شَاةً وَهُمْ خُلَطَاءُ؟
فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّاةُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ عَلَى تِسْعَةِ أَجْزَاءٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي شَاةَ صَاحِبِ الشَّاةِ فِي الصَّدَقَةِ؟
قَالَ: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكَيْهِ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِينَ بِخَمْسَةِ أَتْسَاعِهَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ بِأَرْبَعَةِ أَتْسَاعِهَا فَيَأْخُذُهَا مِنْهُمَا.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَا خَلِيطَيْنِ لِوَاحِدٍ عَشْرَةٌ وَمِائَةٌ وَلِلْآخَرِ إحْدَى عَشْرَةَ فَأَخَذَ السَّاعِي شَاتَيْنِ؟
فَقَالَ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْغَنَمِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ عِشْرُونَ فَصَارَتْ أَرْبَعِينَ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَهِيَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْعَشَرَةِ وَمِائَةٍ لَوْلَا خَلَطَ صَاحِبُ الْإِحْدَى عَشْرَةَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَدَخَلَتْ الْمَضَرَّةُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى صَاحِبَيْ الْأَرْبَعِينَ، أَدْخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الْمَضَرَّةَ فَلَزِمَهُمَا جَمِيعًا، فَكَذَلِكَ لَزِمَ هَذَيْنِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ لِأَحَدِهِمْ أَرْبَعُونَ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ وَلِلْآخَرِ وَاحِدَةٌ لَمْ يُدْخِلْ صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهِمَا مَضَرَّةً، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا خَلَطَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا إلَّا شَاةٌ فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِمَا مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ مَضَرَّةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ: لِوَاحِدٍ أَرْبَعُونَ وَلِآخَرَ ثَلَاثُونَ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهُمَا شَاةً، فَإِنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ بِصَاحِبِهِ مَضَرَّةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا فَتَمْكُثُ فِي يَدِ الزَّوْجِ حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْمَاشِيَةِ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ السَّاعِي؟
فَقَالَ: إذَا أَتَاهُمْ الْمُصَدِّقُ فَإِنَّهُ إنْ أَصَابَهَا مُجْتَمِعَةً وَفِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ مِنْهَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ أَصَابَهَا وَفِي حَظِّ الزَّوْجِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي حَظِّ الْمَرْأَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهِيَ إذَا اجْتَمَعَتْ كَانَ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ قَدْ اقْتَسَمَاهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمَا السَّاعِي وَلَمْ يُفَرِّقَاهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ فِي حَظِّ أَحَدِهِمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالْآخَرُ مَا لَا تَجِبُ فِي حَظِّهِ الزَّكَاةُ، لِقِلَّةِ عَدَدِ مَا أَخَذَ مِنْ الْغَنَمِ لِارْتِفَاعِ قِيمَتِهَا وَفَضْلِهَا عَلَى الْأُخْرَى لِقِلَّةِ قِيمَةِ الْأُخْرَى، زَكَّى الْمُصَدِّقُ الَّذِي تَجِبُ فِي عَدَدِ مَاشِيَتِهِ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يُزَكِّ مَاشِيَةَ الْآخَرِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ الزَّكَاةُ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْمَاشِيَةِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْهَا فَائِدَةً لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهَا شَرِيكٌ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى شَرِكَتِهِ فِي الْغَنَمِ أَنَّ الْغَنَمَ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، لَمْ يَلْزَمْهَا غُرْمُ شَيْءٍ مِنْ الْغَنَمِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ، وَلَوْ نَمَتْ أَضْعَافَ عَدَدِهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَخَذَ نِصْفَ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ بِالشِّرْكِ الَّذِي كَانَ لَهُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَأَنَّهُمَا كَانَا شَرِيكَيْنِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فِيمَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالدَّنَانِيرِ: إنَّهُ شَرِيكٌ لَهَا فِي ذَلِكَ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ، إلَّا مَا بَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَتْ لِلتِّجَارَةِ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ لِغَيْرِ مَا تَجَهَّزَتْ بِهِ مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهَا نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ إنْ نَقَصَ أَوْ تَلِفَ.
قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ رَجُلٌ خَلِيطًا لِرَجُلٍ فِي غَنَمٍ وَلَهُ غَنَمٌ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ فِيهَا خَلِيطٌ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهَا فَقُلْنَا لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَعَ خَلِيطٍ لَهُ وَلِخَلِيطِهِ أَيْضًا أَرْبَعُونَ شَاةً، وَلَهُ فِي بِلَادٍ أُخْرَى أَرْبَعُونَ شَاةً لَيْسَ لَهُ فِيهَا خَلِيطٌ؟
فَقَالَ: يَضُمُّ غَنَمَهُ الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا خَلِيطٌ إلَى غَنَمِهِ الَّتِي لَهُ فِيهَا خَلِيطٌ، فَيَصِيرُ فِي جَمِيعِ غَنَمِهِ خَلِيطًا يَصِيرُ عَلَيْهِ ثُلُثَا شَاةٍ فِي الثَّمَانِينَ، وَيَصِيرُ عَلَى صَاحِبِهِ ثُلُثُ شَاةٍ فِي الْأَرْبَعِينَ، وَهَكَذَا يَتَرَاجَعَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ كُلِّهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، ذَكَرَهُ أَشْهَبُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ قَرَأَهُ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَهُمَا خَلِيطَانِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عَوَارٍ وَلَا تَيْسًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ اللَّيْثَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَلِيطَانِ فِي الْمَالِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ وَالرَّاعِي وَالْحَوْضِ، وَإِنَّ اللَّيْثَ وَمَالِكًا قَالَا: الْخَلِيطَانِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ سَوَاءٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا كَانَ الْحَوْضُ وَالدَّلْوُ وَالرَّاعِي وَالْمُرَاحُ وَالْفَحْلُ وَاحِدًا فَهُمَا خَلِيطَانِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ أَوْ أَقَلُّ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ كَانَا خَلِيطَيْنِ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي وَذَلِكَ أَنْ يَنْطَلِقَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَقَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُونَهَا إذَا أَظَلَّهُمْ الْمُصَدِّقُ لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاةٌ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.